الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقيل: مِنْ شُرُوط الصَّفَا: البَيَاضُ والصَّلاَبَةُ، واشتقاقُهُ مِنْ: صَفَا يَصْفُو، أيْ: أُخْلِصَ مِن التُّرابِ والطِّينِ، والصَّفَا: الحَجَرُ الأَمْلَسُ.وفي كتاب الخَلِيل: الصَّفَا: الحَجَرُ الضَّخْمُ الصُّلْبُ الأَمْلَسُ، وإذا نَعتُوا الصَّخْرةَ، قالوا: صَفَاةٌ صَفْوَاءُ، وإذَا ذَكَّرُوا، قالوا: صَفًا صَفْوَان، فجعلوا الصَّفَا والصَّفَاة كَأَنَّهما في معنى واحد.قال المُبَرِّدُ: الصَّفَا: كُلُّ حَجَرٍ أَمْلَسَ لا يُخالِطُهُ غَيْرُهُ؛ مِنْ طِين أو تُرَابٍ، وَيَتَّصِلُ به، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ وَاحِدِهِ وَجَمْعِهِ تَاءُ التأنيث؛ نحْوُ: صَفًا كَثِيرٌ، وَصَفَاةٌ وَاحِدَةٌ، وقد يُجْمَعُ الصَّفَا على: فُعُولٍ، وأَفْعَال؛ قالوا: صُفِيٌّن بِكَسْر الصاد، وضَمِّها؛ كُعِصيٍّ، وأصْفَاء، والأصلُ صُفووٌ، وأضْفَاوٌ، وقُلِبَتِ الواوُ في صُفُووٌ يَاءَين، والواوُ في أَصْفَاء هَمْزةً؛ ك كِسَاء وبابه.والمَرْوَةُ: الحجارةُ الصِّغَارُ، فقيل: اللَّيِّنَة.وقال الخَلِيلُ: البيضُ الصُّلْبَة، الشَّدِيدَةُ الصَّلاَبة.وقِيل: المُرْهَفةُ الأَطْرافِ.وقِيل: البيضُ.وَقِيلَ: السُّودُ.وهُمَا في الآية عَلَمَان لِجَبَلَينِ مَعْرُوفَيْنِ، والألِفُ واللاَّمُ فيهما لِلْغَلَبَةِ؛ كهما في البيت، والنَّجْم، وجَمْعُها مَرْوٌ؛ كقوله في ذلك: الرمل: وقال بعضهم: جَمْعُه في القَليلِ: مَرَواتٌ، وفي الكثير: مرو.قال أبو ذُؤَيْب: الكامل:
السِّبُّ: لفظٌ مشتَرَكٌ، قال أبُو عُبَيْدَةَ: السِّبُ، بالكَسْرِ: السِّبَابُ، وَسِبُّكَ أيضًا: الذي يُسَابُّكَ؛ قال الشاعر: الخفيف: والسِّبُّ أيضًا: الخِمَارُ والعِمَامَةُ.قال المُخَبَّلُ السَّعْدِيُّ: الطويل: والسِّبُّ أيضًا: الحَبْلُ في لغة هُذَيل؛ قال أبُو ذُؤَيْبٍ: الطويل: وبُ: الحِبَالُ، والسِّبُّ: شُقّة كتان رقية والسُّبية مثله، والجَمْعُ: السُّبُوب والسَّبَائب، قال الجَوْهَرِيُّ؛ فيكون المَعنَى: حَجَّ فلانٌ، أي: حَلَّقَ.قال القَفَّالُ- رحِمَهُ الله تعالى: وهذا مُحْتَملٌ؛ كقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَاءَ الله آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27]، أي: حُجَّاجًا وعُمَّارًا؛ فَعَبَّرَ عَنْ ذلك بالحَلْق، فلا يَبْعُدُ أن يكون الحَجُّ مُسَمَّى بهذا الاسمِ لمعنى الحَلْقِ.وثالثها: الحَجُّ: القَصْدُ.ورابعها: الحَجُّ في اللغة: القَصْدُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.قال الشاعر: البسيط: اللَّجَفُ: الخَسْفُ أسْفَلَ البئرِ، نقله القُرْطُبيُّ.يُقَالُ: رَجُلٌّ مَحْجُوجٌ، أي: مَقْصُودٌ، بمعنى: أنَّه يُخْتَلَفُ إِلَيْه مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.قال الراغبُ: الرجز: وكذلك مَحَجَّةُ الطَّريقِ: وهي التي كَثُر فيها السَّيْرُ، وهذا شَبِيهٌ بالقَوْل الأوَّل.قال القَفَّالُ: والأول أشْبَهُ بالصَّوَاب.والاعْتِمَارُ: الزِّيَارَةُ.وقِيلَ: مُطْلَقُ القَصْدِ، ثم صارا عَلَمَين بالغَلَبَةِ في المعاني؛ كالَبْبيت والنَّجْم في الأعيان.وقال قُطْرُبٌ: العُمْرَةُ في لُغَةِ عَبْد القَيْسِ: المَسْجِدُ والبِيعَةَ والكَنِيسَةُ.قال القَفَّالُ: والأشْبَهُ بالعُمَرَةِ إذا أُضِيفَتْ إلى البيت أن تَكُون بمعنى الزِّيَارةِ؛ لأنَّ المُعْتَمِرَ يَطُوف بالبيت، وبالصفا، والمروة، ثم ينصرف كالزَّائر.قوله تعالى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ} الظاهرُ: أنَّ {عَلَيْه} خَبَرُ لا، و{أن يَطَّوَّفَ}: أَصْلُهُ في أنْ يَطَّوَّفَ، فحذف حَرْفَ الجَرِّ، فيَجيءُ في محلِّها القولان النصبُ، أو الجَرُّ، والوقْفُ في هذا الوجه على قوله: {بهما}، وأجازوا بَعْدَ ذلك أوجُهًا ضَعِيفةً.منها: أنْ يَكُونُ الكلامُ قَدْ تَمَّ عند قوله: {فَلاَ جُنَاحَ}؛ على أن يكون خبر لا محذوفًا، وقَدَّرَهُ أبُو البَقاءِ فلا جناح في الحج، ويُبْتَدأُ بقوله: {عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوفَ} فيكون {عَلَيْهِ} خبرًا مقدمًا وان يطوف في تأويل مصْدرٍ مَرْفُوعٍ بالابْتِدَاء؛ فإنَّ الطوافَ وَاجبٌ.قَالَ أبُو البَقَاءِ- رحمه الله: والجيدُ أَنْ يَكُونَ {عَلَيْهِ} في هذا الوجه خَبَرًا، و{أَنْ يَطَّوَّفَ} مُبْتَدأ.وَمِنْهَا: أَنْ يكُون {عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ} مِنْ بِابِ الإِغْرِاء؛ فيكونَ {أَنْ يَطَّوَّفَ} في محلْ النصْب؛ كقولك: عَلَيْكَ زَيْدًا أي: الْزَمْهُ، إلاَّ أنَّ إغرار الغَائِب ضَعِيفٌ، حكى سيبَوَيْهِ: عَلَيْهِ رَجُلًا لَيْسَنِي قال: وهو شاذٌ.ومنها: أنَّ {أنْ يَطَّوَّفَ} في مَحَلَّ رفع خبرًا ثانيًا للا، والتقديرُ: فَلاَ جُنَاحَ عليه في الطَّوَاف بِهِمَا.ومنها: {أنْ يَطَّوَّفَ}: في محلّ نصبٍ على الحال من الهَاءِ في {عَلَيْهِ}، والعامل في الحالِ العَامِلُ في الخَبَرِ.والتقديرُ: {فلا جُنَاحَ عَلَيْهِ في حالِ طَوَافِهِ بهما} وهذان القولان ساقِطان ذَكَرْتُهُما تنبيهًا على غلطهما.وقراءةُ الجمهور: {أنَّ يَطَّوَّفَ} بغير لا وقرأ أنس، وابن عباس- رضي الله عنهما- وابنُ سيرين، وشهر بن حوشب: {أنْ لاَ يَطَّوَّفَ}، قَالُوا: وكذلك في مُصْحَفَيْ أَبَيٍّ، وعبد الله، وفي هذه القراءة احتمالان:أحدهما: أنها زائدةٌ؛ كهي في قوله: {أَلاَ تَسْجُدَ} [الأعراف: 12]، وقوله: الرجز: وحينئذٍ يتَّحِدُ معنى القراءتَينِ.والثَّاني: أنَّها غيرُ زائدةٍ: بمعنى: أنَّ رفع الجُنَاح في فعل الشيء، وهو رفعٌ في تركه؛ إذ هو تمييزٌ بَيْنَ الفعلِ والتَّرْك؛ نحو: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} فتكون قراءة الجُمْهُور فيها رفعُ الجُنَاحِ في فِعْلِ الطَّوافِ نَصًّا، وفي هذِهِ رَفْعُ الجُنَاح في التَّرك نصًّا، والجُنَاحُ: أصْلُه من المَيْل؛ من قولهم: جَنَحَ إلى كذا، أي: مال إليه؛ قال سبحانه وتعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا} [الأنفال: 61] وجَنَحَتِ السَّفينةُ: إذَا لَزِمَت المَاءَ، فلم تَمْضِ.وقيل للأضْلاَعِ، جَوَانِحُ؛ لاعوجَاجِها، وجَنَاحُ الطَّائِر مِن هذا؛ لأنَّه يَمِيلُ في أَحَدِ شِقَّيْهِ، ولا يطيرُ على مستوى خلقته.قال بعضهم: وكذلك أيضًا عُرْفُ القرآنِ الكَرِيمِ، فمعناه: لا جُنَاحَ عليه: أي: لا مَيْلَ لأَحدٍ عليه بمطالبَةِ شَيءٍ من الأشياء.ومنهم من قال: بَلْ هو مختصٌّ بالمَيْل إلى البَاطلِ، وإلى ما يؤْلَمُ به.و{أنْ يَطَّوَّفَ} أي: يَتَطَوَّفَ، فأُدْغِمَت التَّاءُ في الطاء؛ كقوله: {يا أيها المزمل} [المزمل: 1]، {يا أيها المدثر} [المدثر: 1] ويقال: طَافَ، وأَطَافَ: بمعنَى واحدس.وقرأ الجُمْهُور {يَطَّوَّفَ} بتشديد الطاء، والواو، والأصل يَتَطَوَّفَ، وماضيه كان أًله تَطَوَّفَ، فلما أرد الإدغام تخفيفًا، قُلِبَتِ التاء طاء، وأُدْغِمَتْ في الطاء، فاحتيجَ إلى هَمزةِ وصْلٍ؛ لِسُكُونِ أوَّله؛ لأجل الإدغامن فأتى بها فجاء مضارعُهُ عليه يَطَّوَّفَ، فانحذفت همزة الوصل؛ لتحصُّنِ الحرفِ المُدْغَم بحرف المضارعة ومصْدَره على التَّطَوُّف؛ رجوعًا إلى أصل تَطَوَّفَ.وقرأ أبو السَّمَّال: {يَطُوفَ} مخفَّفًا من: طَافَ يَطُوفُ، وهي سهل، وقرأ ابن عباس: {يَطَّافَ} بتشديد الطاء، مع الألِفِ، وأصله يَطتَوف على وزن يَفْتَعِل، وماضيه على اطْتَوَف افْتَعَلَ، تحرَّكَتِ الواوُ، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا، ووقعت تاء الافتعال بعد الطاء؛ فوجب قلبها طاء، وإدغام الطاء فيها؛ كما قالوا: اطَّلَبَ يَطَّلِبُ، والأصل: اطْتَلَبَ، يَطْتَلِبُ، فصار اطَّافَ، وجاء مضارعُهُ عيله: يَطَّافُ هذا هو تصريفُ هذه اللفْظَة من كون تاء الافْتِعَالِ تُقَلَبُ طاءَ، وتُدْغَمُ فيها الطاءُ الأولى.وقال ابن عَطِيَّة: فجاء يَطْتَافُ أُدْغِمَتِ التاءُ بعد الإسكان في الطاء على مَذْهَبِ مَنْ أجاز إدْغَام الثَّاني في الأوَّل، كما جاء في مُدَّكِرٍ ومن لم يُجِزْ ذَلِكَ، قال: قُلِبَتِ التاءُ طاءً، ثم أدغمت الطاء في الظَّاء، وفي هذا نَظَرٌ، لأنَّ الأصْلِيَّ أُدْغِمَ في الزائدِ، وذلك ضعيفٌ.وقول ابنِ عَطيَّة فيه خطأٌ من وجهين:أحدهما: كونُهُ يَدَّعِي إدْغَامَ الثَّاني في الأوَّل، وذلك لا نَظِيرَ له، إنَّمَا يُدْغَمْ الأَوَّل في الثَّاني.والثاني: قوله: كَمَا جَاءَ في مُدَّكر؛ لأنَّه كان يَنْبَغِي على قوله: أن يُقَالَ: مُذَّكر بالذَّال المُعَجَمة، لا الدَّال المهملة وهذه لغةَ رَدِيئةٌ، إنَّما اللُّغة الجيِّدة بالمهملة؛ لأنَّا قَلَبْنَا تَاءَ الافتعالِ بَعَدَ الذَّال المعجمةِ دَالًا مهملةً، فاجتمع متقاربَان، فقلَبْنَا أوَّلَهُما لجنْسِ الثَّاني، وأدغَمْنَا، وسيأتي تحقيقُ ذلك.ومصدر أطَّافَ على الأطِّيَافِ بوزن الافْتِعَالِ، والأصلُ اطِّوَافِ فكسر ما قبل الواو، فقُلِبَتْ ياءً، وإنَّمَا عادَتِ الواوُ إلى أصْلها؛ لزوالِ مُوجِبِ قَلْبها ألفًا؛ ويوضِّح ذلك قولهم: اعْتَادَ اعْتِيَادًا والأصل: اعْتِوَادٌ ففُعِلَ به ما ذكرتُ لك:قوله تعالى: {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا}.قرأ حَمْزَةُ والكِسَائيُّ {يَطَّوَّعْ} هنا وفي الآية الَّتي بعدها بالياء وجزم العين فعلًا مضارعًا.قال ابن الخَطِيبِ- رحمه الله: وهذا أحْسَنُ أيضًا؛ لأنَّ المعنى على الاسْتقْبَال والشرط، والجزاء، والأحْسَنُ فيهما الاستقبال، وإن كان يَجُوز أن يقال: مَنْ أتَانِي أَكْرَمْتُهُ.وقراها الباقُونَ بالتاء فعلًا ماضيًا، فأما قراة حَمْزَة، فتكون مَنْ شرطيَّةً، فتعمل الجَزْمَ، وافق يَعْقُوبُ في الأُوْلَى، وأصل يَطَّوَّعُ يَتَطَوَّعُ فأدغمَ على ما تقدَّم في تَطَوَّفَ، ومَنْ في محل رفع بالابتداء، والخَبَر فعْلُ الشَّرْطِ؛ على ما هو الصحيح كما تقدَّم تحقيقُهُ.وقوله: {فإنَّ اللَّه} جملةٌ في محلِّ جَزْمٍ، لأنَّها جوابُ الشَّرط، ولابد مِن عائِد مقدَّر، أي: فإنَّ الله شاكِرٌ له.قال أبو البَقَاءِ: وإذا جُعِلَتْ مَنْ شَرْطًا، لم يَكُنْ في الكلام حَذْفُ ضمير؛ لأنَّ ضمير مَنْ في تَطَوَّعَ وهذا يخالفُ ما تقدَّم عن النُّحَاةِ؛ من أنَّ إذَا كَانَ أدَاةُ الشَّرطِ اسمًا، لَزِمَ أن يكون في الجواب ضميرٌ يَعُودُ عليه، وتقدَّم تحقيقه.وأما قراءةُ الجُمْهُور، فتحملُ وجْهَيْن:أحدهما: أن تكون شرطيَّةً، والكلام فيها كما تَقَدَّمَ.والثاني: أن تكون موصولةً، و{تَطَوَّعَ} صلتها، فلا محَلَّ لها من الإعراب حينئذٍ، وتكون في مَحَلِّ رفْع بالابتداء أيضًا، و{فإِنَّ الله} خبَرُهُ، ودَخلَتِ الفاءُ؛ لما تضمَّن مَنْ مَعْنى الشَّرط، والعائدُ محذوفٌ كما تقدَّم، أي: شَاكِرٌ لَهُ.وانتصاب {خَيْرًا} على أحَدِ أوْجُهٍ:أحدها: إمَّا على إسْقَاط حَرْفِ الجَرِّ، أي: تَطَوَّعَ بِخَيْرٍ، فلمَّا حذف الحَرْف، انتصب؛ نَحْو قوله: الوافر: وهو غير مقِيسٍ.والثاني: أن يكونهَ نعْتَك مصْدرٍ محذوفٍ، أي: تَطَوُّعًا خَيْرًا.والثالث: أن يكونَ حالًا مِنْ ذلك المَصْدرَ المقدَّر معرفةً.وهذا مذهَبُ سِيبَوَيْهِ، وقد تقدَّم غَيْرَ مرَّة، أو على تضمين {تَطَوَّعَ} فعلًا يتعدَّى، أي: من فَعَلَ خَيْرًا مُتَطَوَّعًا به.وقد تَلَخَّصَ مما تقدَّم أنَّ في قولِهِ: {فَإِنَّ الله شَاكِرٌ عَلِيمٌ} وجْهَين:أحدهما: الجزمُ على القَوْل بكَوْن مَنْ شرطيَّةً.والثاني: الرَّفْعُ؛ عَلَى القَوْلِ بِكَوْنها موصولةً. اهـ. باختصار.
|